إعلان "أوبونتو" في جنوب إفريقيا يؤسس لرؤية أكثر عدالة واستدامة للأمن الغذائي
إعلان "أوبونتو" في جنوب إفريقيا يؤسس لرؤية أكثر عدالة واستدامة للأمن الغذائي
في مدينة سومرست ويست بجنوب إفريقيا، التي تتولى هذا العام رئاسة مجموعة العشرين، اختتمت اجتماعات وزراء الزراعة وأمن الغذاء أعمالها بتأكيد التحول العالمي نحو جعل الزراعة وأنظمة الغذاء محوراً رئيسياً في السياسات الاقتصادية الدولية، مع التركيز على الشمولية والمرونة والحلول القائمة على البيانات والابتكار العلمي.
إعلان "أوبونتو": روح التضامن الإفريقي
اعتمد الوزراء المشاركون إعلان "أوبونتو"، المستلهم من الفلسفة الإفريقية التي تقوم على الكرامة المتبادلة والترابط الإنساني، ليكون وثيقة مرجعية جديدة في مسار الأمن الغذائي العالمي وفق وكالة أنباء الشرق الأوسط.
وأكد الإعلان التزام مجموعة العشرين بالتعددية وأهداف التنمية المستدامة لعام 2030 واتفاق باريس للمناخ، إلى جانب الإقرار بالحق الإنساني في الغذاء، باعتباره أولوية عالمية يجب صونها من التقلبات الاقتصادية والسياسية.
كما تضمن الإعلان خطة عمل لمواجهة تقلبات أسعار الغذاء العالمية، وتعزيز الاستثمار في الزراعة الذكية مناخياً، وبناء أنظمة غذاء أكثر عدلاً وشمولاً، قادرة على الصمود أمام الأزمات.
تمكين المزارعين الصغار وبناء أنظمة أكثر مرونة
وأعرب الوزراء عن قلقهم إزاء تصاعد التضخم الغذائي العالمي وتداعياته على الفئات الهشة، مؤكدين التزامهم بدعم المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، خصوصاً النساء والشباب، وتعزيز البنية التحتية لما بعد الحصاد لضمان وصول آمن وعادل إلى الأسواق.
وقالت منظمة التنمية المجتمعية لجنوب إفريقيا، المشاركة في الاجتماعات، إن هذه الخطوات تمثل تحولاً حقيقياً في إدراك مجموعة العشرين لدور الزراعة باعتبارها "جزءاً من الحل الاقتصادي والبيئي، لا مجرد قطاع إنتاجي تقليدي".
الزراعة في صميم السياسات الاقتصادية الجديدة
جاءت الاجتماعات ضمن أعمال مجموعة عمل الزراعة وفرقة العمل الخاصة بأمن الغذاء التابعة لمجموعة العشرين، تحت شعار "النهج القائم على البيانات لمعالجة الأمن الغذائي وتعزيز الاستثمار الزراعي الشامل وإمكانية الوصول إلى الأسواق".
وناقشت الوفود ست أولويات رئيسية: دمج الزراعة في صميم السياسات الاقتصادية، تمكين المزارعين الصغار، الاستفادة من الابتكار الرقمي، تعزيز التكيف مع تغير المناخ، تحسين شفافية الأسواق، وصياغة سياسات قائمة على الأدلة.
التكنولوجيا والبحث العلمي في خدمة الأمن الغذائي
وزير الزراعة الجنوب إفريقي جون ستينهويزن شدد في كلمته على ضرورة مواءمة السياسات الزراعية العالمية مع احتياجات المزارعين والمستهلكين الفعلية، مشيراً إلى نجاح تجربة بلاده في استخدام التمويل الممزوج ونقل التكنولوجيا كنموذج يمكن توسيعه على المستوى الدولي.
كما أولت المناقشات اهتماماً خاصاً بالبحث العلمي، لا سيما تطوير محاصيل مقاومة للجفاف وتحسين إدارة التربة والمياه، إلى جانب بناء أنظمة رقمية لتعزيز الشفافية في الأسواق، وتفعيل آليات الإنذار المبكر لمواجهة الأزمات الغذائية.
نحو قمة جوهانسبرج
ورأى المشاركون أن نتائج اجتماعات سومرست ويست تشكل الأساس لأجندة قمة قادة مجموعة العشرين المقرر عقدها في جوهانسبرج نهاية العام الجاري، حيث من المنتظر أن يحتل الأمن الغذائي موقعاً محورياً في المداولات، في ظل دعوات متزايدة لإعادة صياغة النظام الغذائي العالمي بما يعكس مصالح الجنوب العالمي ويعزز العدالة المناخية.
تأسست مجموعة العشرين عام 1999 كمنتدى للتنسيق الاقتصادي بين أكبر الاقتصادات في العالم، لكنها شهدت خلال العقد الأخير توسعاً في أجندتها لتشمل قضايا التنمية المستدامة، والمناخ، والغذاء، والطاقة.
وفي ظل تصاعد الأزمات المناخية والجيوسياسية وارتفاع أسعار الحبوب بعد الحرب في أوكرانيا، أصبح الأمن الغذائي محوراً مركزياً في السياسة الدولية، وتولي رئاسة جنوب إفريقيا هذا العام أهمية خاصة لهذا الملف، باعتبارها تمثل صوت القارة الإفريقية التي تعاني أكثر من غيرها من آثار الجوع والتغير المناخي، لكنها تمتلك في المقابل موارد زراعية هائلة يمكن أن تسهم في إطعام العالم إذا ما أُحسن استثمارها.